الخميس، 16 أكتوبر 2014

تهكم ابي بكر على نفسه

شبهة قول الصديق رضي الله عنه: إن لي شيطاناً يعتريني

    ومنها: أن أبا بكر كان يقول: «إن لي شيطاناً يعتريني، فإن أستقمت فأعينوني، وإن زغت فقوموني». ومن هذا حاله لا يليق للإمامة.
والجواب:
   
أن هذا غير ثابت. بل الثابت أنه أوصى عمر قبل الوفاة فقال: «والله ما نمت فحلمت، وما شبهت فتوهمت، وإني لعلى السبيل ما زغت، ولم آل جهداً. وإني أوصيك بتقوى الله تعالى»([1]إلخ. نعم قال في أول خطبة خطبها على ما في مسند الإمام أحمد: «يا أصحاب الرسول! أنا خليفة الرسول فلا تطلبوا مني الأمرين الخاصين بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم: الوحي، والعصمة من الشيطان. وفي آخرها: إني لست معصوماً فإطاعتي فرض عليكم فيما وافق الرسول وشريعة الله تعالى من أمور الدين، ولو أمرتكم بخلافها فلا تقبلوه مني ونبهوني عليه». وهذا عين الإنصاف.
ولما كان الناس معتادين عند المشكلات الرجوع إلى وحي إلهي وإطاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لازماً على الخليفة التنبيه على الاختصاص بالجناب الكريم. وقد روي الكليني عن جعفر الصادق عليه السلام قال : أن لكل مؤمن شيطاناً يقصد إغواءه، وفي الحديث المشهور ما يؤيد هذا أيضاً فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن. فقالت الصحابة: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: نعم، ولكن الله غلبني عليه لأسلم وآمن من شره) فأي طعن فيما ذكروه؟ والمؤمن يعتريه الشيطان بالوسوسة فينتبه، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف : 201]. نعم إن النقصان في اتباع الشيطان، وهو بمعزل عنه. قال شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه الله: هذا الحديث من أكبر فضائل الصديق رضي الله عنه وأدلها على أنه لم يكن يريد علواً في الأرض ولا فساداً، فلم يكن طالب رياسة، ولا كان ظالماً، وإنه إنما كان يأمر الناس بطاعة الله ورسوله، والشيطان الذي يعتريه يعتري جميع بني آدم؛ ...وفي الصحيح عنه قال: (لما مرّ به بعض الأنصار وهو يتحدث مع صفية ليلاً، قال: على رسلكما، إنها صفية [بنت حيي]. ثم قال: إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئاً؛ إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)([2]). ومقصود الصديق بذلك: إني لست معصوماً كالرسول ص. وهذا حق.

   
وأما القول : كيف تجوز إمامة من يستعين على تقويمه بالرعية؟ فكلام جاهل بحقيقة الإمامة. فإن الإمام ليس هو ربًّا لرعيته حتى يستغني عنهم، ولا هو رسول الله إليهم حتى يكون هو الواسطة بينهم وبين الله. وإنما هو والرعية شركاء يتعاونون هم وهو على مصلحة الدين والدنيا؛ فلا بد له من إعانتهم، ولا بد لهم من إعانته، كأمير القافلة الذي يسير بهم في الطريق: إن سلك بهم الطريق اتّبعوه، وإن أخطأ عن الطريق نبّهوه وأرشدوه، وإن خرج عليهم صائل يصول عليهم تعاون هو وهم على دفعه. لكن إذا كان أكملهم علماً وقدرة ورحمة كان ذلك أصلح لأحوالهم. وكذلك إمام الصلاة إن استقام صلُّوا بصلاته، وإن سها سبَّحوا به فقوَّموه إذا زاغ. والناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يتعلمون الدين من الإمام، بل الأئمة والأمة كلهم يتعلمون الدين من الكتاب والسنة. ولهذا لم يأمر الله عند التنازع برد الأمر إلى الأئمة، بل قال تعالى: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء : 59] الآية؛ فأمر بالرد عند التنازع إلى الله والرسول لا إلى الأئمة وولاة الأمور، وإنما أمر بطاعة ولاة الأمور تبعاً لطاعة الرسول. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)([3]). وقال: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)([4]). وقال: (من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه)([5]).

شبهة قول الصديق: إني لست بخير منكم، وعلي فيكم
    ومنها أن أبا بكر كان يقول للصحابة: «إني لست بخير منكم، وعلي فيكم». فإن كان صادقاً في هذا القول لم يكن لائقاً للإمامة البتة، إذ المفضول لا يليق مع وجود الفاضل. وإن كان كاذباً فكذلك الكاذب فاسق والفاسق لا يصلح للإمامة.
والجواب على فرض التسليم فهذا الإمام السجادرحمه الله كان يقول: «أنا الذي أفنت الذنوب عمره... إلخ» فإن كان صادقاً بهذا الكلام لم يكن لائقاً للإمامة، لأن المرتكب للذنوب لا يصلح للإمامة وهو مناف للعصمة، وكذا إن كان كاذباً، لما مر. فجوابهم في ذلك فهو جوابنا.

شبهة قول الصديق: أقيلوني أقيلوني

    قال البعض أن قوله «أقيلوني أقيلوني» إستعفاء من الإمامة فلا يكون قابلاً لها.
والجواب:
   
على فرض تسليمه يجاب بما ورد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي لم يقبل الخلافة بعد شهادة عثمان إلا بعد أن كثر إلحاح المهاجرين والأنصار كما في نهج البلاغة، على أنه لو صح ذلك عن أبي بكر لكان دليلاً على عدم طمعه وحبه للرياسة. ويقول ابن تيمية أن هذا كذب، ليس في شيء من كتب الحديث، ولا له إسناد معلوم. فإنه لم يقل: «وعليٌّ فيكم» بل الذي ثبت عنه في الصحيح أنه قال يوم السقيفة: «بايعوا أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح. فقال له عمر: بل أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال عمر: كنت والله لأن أُقدَّم فتُضرب عنقي، لا يقرّبني ذلك إلى إثم، أحب إليّ من تأمُّري على قوم فيهم أبا بكر». ثم لو قال: (وعليٌّ فيكم) لاستخلفه مكان عمر؛ فإن أمره كان مطاعاً.

([1]) تاريخ دمشق 30/415.
([2]) صحيح البخاري برقم 2035، صحيح مسلم برقم 2175.
([3]) رواه البخاري برقم 4340، ومسلم برقم 1840.
([4]) رواه أحمد برقم 1095.
([5]) رواه ابن ماجه برقم 2863.

أقيلونى أقيلونى

زعموا أنه لوكان أهلاً للخلافة لما قال لهم أقيلونى أقيلونى لأن الإنسان لا يستقيل من الشىء إلا إذا لم يكن أهلاً له.
وجوابها: منع الحصر فيما عللوا به، فهومن مفترياتهم، وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمورهم لها أهل وزيادة، بل لا تكمل حقيقة الورع والزهد إلا بالإعراض عما تأهل له المعرض، وأما مع عدم التأهل فالإعراض واجب لا زهد، ثم سببه هنا أنه إما خشى من وقوع عجز ما منه عن استيفاء الأمور على وجهها الذي يليق بكماله له، أوأنه قصد بذلك استبانة ما عندهم، وأنه هل فيهم من يود عزله فأبرز ذلك كذلك، فرآهم جميعهم لا يودون ذلك لوأنه خشى من لعنه صلى الله عليه وسلم لإمام قوم وهم له كارهون، فاستعلم أنه هل فيهم أحد يكرهه أولا ـ والحاصل أن زعم ذلك يدل على عدم أهليته غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأساً.

أقيلوني
زعموا أنه لوكان أهلاً للخلافة لما قال لهم أقيلونى أقيلونى لأن الإنسان لا يستقيل من الشىء إلا إذا لم يكن أهلاً له.
وجوابها: منع الحصر فيما عللوا به، فهومن مفترياتهم، وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمورهم لها أهل وزيادة، بل لا تكمل حقيقة الورع والزهد إلا بالإعراض عما تأهل له المعرض، وأما مع عدم التأهل فالإعراض واجب لا زهد، ثم سببه هنا أنه إما خشى من وقوع عجز ما منه عن استيفاء الأمور على وجهها الذي يليق بكماله له، أوأنه قصد بذلك استبانة ما عندهم، وأنه هل فيهم من يود عزله فأبرز ذلك كذلك، فرآهم جميعهم لا يودون ذلك لوأنه خشى من لعنه صلى الله عليه وسلم لإمام قوم وهم له كارهون، فاستعلم أنه هل فيهم أحد يكرهه أولا ـ والحاصل أن زعم ذلك يدل على عدم أهليته غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأساً.
الشبهة الخامسة عشرة
زعموا أيضاً أن علياً إنما سكت عن النزاع في أمر الخلافة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاه أن لا يوقع بعده فتنة ولا يسل سيفاً ..
وجوابها: أن هذا افتراء كذب وحمق وجهالة مع عظيم الغباوة عما يترتب عليه، إذ كيف يعقل مع هذا الذي زعموه أنه جعله إماماً والياً على الأمة بعده ومنعه من سل السيف على من امتنع من قبول الحق؟ ولوكان ما زعموه صحيحاً لما سل على السيف في حرب صفين وغيرها، ولما قاتل بنفسه وأهل بيته وشيعته وجالد وبارز الألوف منهم وحده وأعاذه الله من مخالفة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً فكيف يتعقلون أنه صلى الله عليه وسلم يوصيه بعدم سل السيف على من يزعمون فيهم أنهم يجاهرون بأقبح أنواع الكفر مع ما أوجبه الله من جهاد مثلهم.
قال بعض أئمة أهل البيت النبوي والعترة الطاهرة: وقد تأملت كلماتهم فرأيت قوماً أعمى الهوى بصائرهم، فلم يبالوا بما ترتب على مقالاتهم من المفاسد. ألا ترى إلى قولهم: إن عمر قاد علياً بحمائل سيفه وحصر فاطمة فهابت، فأسقطت ولدا اسمه المحسن، فقصدوا بهذه الفرية القبيحة والغباوة التي أورثتهم العار والبوار والفضيحة وإيغار الصدور على عمر رضي الله عنه، ولم يبالوا بما يترتب على ذلك من نسبة على رضي الله عنه الى الذل والعجز والخور بل ونسبة جميع بنى هاشم وهم أهل النخوة والنجدة والأنفة إلى ذلك العار اللاحق بهم الذي لا أقبح منه عليهم، بل ونسبة جميع الصحابة رضي الله عنهم إلى ذلك، وكيف يسع من له أدنى ذوق أن ينسبهم إلى ذلك مع ما استفاض وتواتر عنهم من غيرتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم وشدة غضبهم عند انتهاك حرماته حتى قاتلوا وقتلوا الآباء والأبناء في طلب مرضاته لا يتوهم إلحاق أدنى نقص أوسكوت على باطل بهؤلاء العصابة الكمل الذين طهرهم الله من كل رجس ودنس ونقص على لسان نبيه في الكتاب والسنة، كما قدمته في المقدمة الأولى أول الكتاب ـ بواسطة صحبتهم له صلى الله عليه وسلم وموته وهوعنهم راض وصدقهم في محبته واتباعه إلا عبداً أضله الله وخذله فباء منه تعالى بعظيم الخسار والبوار، وأحله الله تعالى نار جهنم وبئس القرار. نسأل الله السلامة آمين. (ص 73: 77).
وبعد أن دحض شبهات الرافضة انتقل إلى الباب الثانى (ص 78) وجعل عنوانه:
" فيما جاء عن أكابر أهل البيت من مزيد الثناء على الشيخين ليعلم براءتهما مما يقول الشيعة والرافضة من عجائب الكذب والافتراء، وليعلم بطلان ما زعموه من أن عليا إنما فعل ما أثر عنه تقية ومداراة وخوفاً، وغير ذلك من قبائحهم ".
ويقع هذا الباب في ثمان صفحات، يحسن قراءتها، ولولا الإطالة لنقلتها كاملة، وأكتفى هنا بما ختم به هذا الباب (ص 85) حيث قال:
" فهذه أقاويل المعتبرين من أهل البيت رواها عنهم الأئمة الحفاظ الذين عليهم المعول في معرفة الأحاديث والآثار، وتمييز صحيحها من سقيمها بأسانيدهم المتصلة، فكيف يسمح المتمسك بحبل أهل البيت، ويزعم حبهم أن يعدل عما قالوه من تعظيم أبى بكر وعمر واعتقاد حقية خلافتهما، وما كانا عليه. وصرحوا بتكذيب من نقل عنهم خلافه، ومع ذلك يرى أن ينسب إليهم ما تبرءوا منه ورأوه ذماً في حقهم حتى قال زين العابدين على بن الحسين رضي الله تعالى عنهما: أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فوالله ما برح بنا حبكم حتى صار علينا عاراً، وفى رواية حتى نقصتمونا إلى الناس. أي بسبب ما نسبوه إليهم مما هم براء منه، فلعن الله من كذب على هؤلاء الأئمة ورماهم بالزور والبهتان"أهـ
واستمر صاحب الصواعق فجعل الباب الثالث عنوانه:
" في بيان أفضلية أبى بكر على سائر هذه الأمة، ثم عمر، ثم عثمان، ثم، على، وفى ذكر فضائل أبى بكر الواردة فيه وحده أومع عمر أومع الثلاثة أومع غيرهم. وفيه فصول ".
وجعل عنوان الفصل الأول:
" في ذكر أفضليتهم على هذا الترتيب، وفى تصريح على بأفضلية الشيخين على سائر الأمة، وفى بطلان ما زعمه الرافضة الشيعة من أن ذلك منه قهر وتقية ".
وقال: " اعلم أن الذي أطبق عليه عظماء الملة وعلماء الأمة أن أفضل هذه الأمة أبوبكر الصديق، ثم عمر. ثم اختلفوا، فالأكثرون: ومنهم الشافعى وأحمد وهوالمشهور عن مالك أن الأفضل بعدهما عثمان، ثم على، وجزم الكوفيون ومنهم سفيان الثوري بتفضيل على على عثمان، وقيل: بالوقف عن التفاضل بينهما، وهورواية عن مالك، فقد حكى أبوعبد الله المازرى عن المدونة: أن مالكاً رحمه الله سئل أي الناس أفضل بعد نبيهم؟ فقال: أبوبكر، ثم عمر، ثم قال: أوفي ذلك شك؟ فقيل له: وعلى وعثمان؟ فقال: ما أدركت أحدا ممن اقتدى به يفضل أحدهما على الآخر. انتهى، وقوله رضي الله عنه: أوفي ذلك شك؟ يريد ما يأتي عن الأشعرى أن تفضيل أبى بكر، ثم عمر على بقية الأمة قطعى، وتوقفه هذا رجع عنه، فقد حكى القاضى عياض عنه: أنه رجع عن التوقف إلى تفضيل عثمان. قال القرطبى: وهوالأصلح إن شاء الله تعالى ... إلخ" (ص 286).
واستمر ابن حجر في حديثه بإثبات ما جعله عنواناً لهذا الفصل، وقال:
" إن أفضلية أبى بكر ثبتت بالقطع حتى عند غير الأشعرى أيضاً بناء على معتقد الشيعة والرافضة، وذلك لأنه ورد عن على ـ وهومعصوم عندهم والمعصوم لا يجوز عليه الكذب ـ أن أبا بكر وعمر أفضل الأمة. قال الذهبي: وقد تواتر ذلك عنه في خلافته وكرسى مملكته وبين الجم الغفير من شيعته. ثم بسط الأسانيد الصحيحه في ذلك، قال: ويقال رواه عن على نيف وثمانون نفساً. وعدد منهم جماعة، ثم قال: فقبح الله الرافضة ما أجهلهم! انتهى.
ومما يعضد ذلك ما في البخاري عنه أنه قال: خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبوبكر ثم عمر رضي الله عنهما، ثم رجل آخر. فقال ابنه محمد بن الحنفيه: ثم أنت، فقال: إنما أنا رجل من المسلمين، وصحح الذهبي وغيره طرقاً أخرى عن على بذلك، وفى بعضها: ألا وإنه بلغنى أن رجالاً يفضلونى عليهما، فمن وجدته فضلنى عليهما فهومفتر، عليه ما على المفترى. ألا ولوكنت تقدمت في ذلك لعاقبت، ألا وإنى أكره العقوبة قبل التقدم.
وأخرج الدار قطنى عنه: لا أجد أحداً فضلنى على أبى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى. وصح عن مالك، عن جعفر الصادق، عن أبيه الباقر، أن عليا رضي الله عنه وقف على عمر بن الخطاب وهومسجى، وقال: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء أحداً أحب إلى أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى (ص 9. ـ 91).
ثم قال: ومما يلزم من المفاسد والمساوئ والقبائح العظيمة على ما زعموه من نسبة على إلى التقية أنه كان جباناً ذليلاً مقهوراً. أعاذه الله من ذلك، وحروبه للبغاة لما صارت الخلافة له ومباشرته ذلك بنفسه ومبارزته للألوف من الأمور المستفيضه والتي تقطع بكذب ما نسبه إليه أولئك الحمقى والغلاة؛ إذ كانت الشوكة من البغاة قوية جدا، ولا شك أن بنى أمية كانوا أعظم قبائل قريش شوكة وكثرة جاهلية وإسلاما، وقد كان أبوسفيان بن حرب رضي الله عنه هوقائد المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب وغيرهما، وقد قال لعلى لما بويع أبوبكر ما مر آنفا فرد عليه ذلك الرد الفاحش. وأيضا فبنوتميم ثم بنوعدى قوما الشيخين من أضعف قبائل قريش، فسكوت على لهما مع أنهما كما ذكر وقيامه بالسيف على المخالفين لما انعقدت البيعة له مع قوة شكيمتهم أوضح دليل على أنه كان دائراً مع الحق حيث دار، وأنه من الشجاعة بالمحل الأسنى، وأنه لوكان معه وصيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر القيام على الناس لأنفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوكان السيف على رأسه مسلطاً، لا يرتاب في ذلك إلا من اعتقد فيه ـ رضي الله عنه ـ ما هوبريء منه.
ومما يلزم أيضا على تلك التقيه المشؤومة عليهم أنه رضي الله عنه لا يعتمد على قوله قط؛ لأنه حيث لم يزل في اضطراب من أمره، فكل ما قاله يحتمل أنه خالف فيه الحق خوفا وتقية. ذكره شيخ الإسلام الغزالى. قال غيره: بل يلزمهم ما هوأشنع من ذلك، وأقبح؛ كقولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعين الإمامة إلا لعلى، فمنع من ذلك وقال: مروا أبا بكر تقية! فيتطرق احتمال ذلك إلى كل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم، ولا يفيد حينئذ إثبات العصمة شيئاً.
وأيضا فقد استفاض عن على ـ رضي الله عنه ـ أنه كان لا يبالى بأحد حتى قيل للشافعى رضي الله عنه ما نفر الناس عن على إلا أنه كان لا يبالى بأحد، وقال الشافعى: أنه كان زاهداً لا يبالى بالدنيا وأهلها، وكان عالماً والعالم لا يبالى بأحد، وكان شجاعاً والشجاع لا يبالى بأحد، وكان شريفا والشريف لا يبالى بأحد. أخرجه البيهقي.
وعلى تقدير أنه قال ذلك تقية، فقد أبقى مقتضيها بولايته، وقد مر عنه من مدح الشيخين فيها وفى الخلوة وعلى منبر الخلافة مع غاية القوة والمنعة ما تلى عليك قريباً فلا تغفل.
وأخرج أبوذر الهروى والدار قطنى من طرق، إن بعضهم مر بنفر يسبون الشيخين فأخبر عليا، وقال: لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترءوا على ذلك، فقال على: أعوذ بالله، رحمهما الله، ثم نهض فأخذ بيد ذلك المخبر وأدخله المسجد، وصعد المنبر، ثم قبض على لحيته وهى بيضاء، وجعلت دموعه تتحادر على لحيته، وجعل ينظر البقاع حتى اجتمع الناس، ثم خطب خطبة بليغة من جملتها: ما بال أقوام يذكرون أخوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصاحبيه وسيدى قريش وأبوى المسلمين، وأنا بريء مما يذكرون وعليه معاقب، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجد والوفاء والجد في أمر الله، يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرأيهما رأيا ولا يحب كحبهما حباً لما يرى من عزمهما في أمر الله، فقبض وهوعنهما راض، والمسلمون راضون، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره في حياته وبعد موته، فقبضا على ذلك فرحمهما الله، فوالذى فلق الحبة وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن فاضل، ولا يبغضهما ويخالفهما إلا شقى مارق. حبهما قربة وبغضهما مروق. ثم ذكر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأبى بكر بالصلاة وهويرى مكان على، ثم ذكر أنه بايع أبا بكر، ثم ذكر استخلاف أبى بكر لعمر، ثم قال: ألا ولا يبلغنى عن أحد أنه يبغضهما إلا جلدته حد المفترى، وفى رواية: وما اجترءوا على ذلك أي سب الشيخين ـ إلا وهم يرون أنك موافق لهم منهم عبد الله بن سبأ (1)
__________
(1) 259) ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أن " أصله من اليمن وابن أمة سوداء، وكان يهوديا فأظهر الإسلام وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة ويدخل بينهم الشر ودخل دمشق لذلك. وأفاض فيه ابن جرير في تاريخه وهوالذي قال بالنص على الخلافة في على وأبنائه وأحدث القول برجعة على، وأنه فيه الجزء الإلهي وأنه هوالذى يجئ في السحاب ـ قال المقريزى: ومن ابن سبأ تشعبت أصناف الغلاة من الرافضة ـوذكر أنه كان يتنقل من الحجاز إلى أمصار المسلمين يريد إضلالهم، فلم يطق ذلك فرجع إلى كيد الإسلام وأهله، ونزل البصرة سنة ثلاث وثلاثين، فطرده عبد الله بن عامر منها لسوء مقالته، فخرج إلى الكوفة، فأخرج منها، فنزل بمصر واستقر بها وبث دعاته في الأمصار، وكاتب من مال إليه منهم بالعيب في ولاتهم. انظر " من عبر التاريخ للكوثرى ". وراجع ما سبق عن ابن سبأ في بداية الجزء الأول.
[256])، وكان أول من أظهر ذلك، فقال على: معاذ الله أن أضمر لهما ذلك. لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، وسترى ذلك إن شاء الله، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيره إلى المدائن وقال: لا يساكننى في بلدة أبدا، قال الأئمة: وكان ابن سبأ هذا يهوديا فأظهر الإسلام وكان كبير طائفة من الروافض وهم الذين أخرجهم على رضي الله عنه لما ادعوا فيه الألوهية.
وأخرج الدارقطنى من طرق أن علياً بلغه أن رجلاً يعيب أبا بكر وعمر فأحضره وعرض له بعيبهما لعله يعترف ففطن، فقال له: أما والذى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق أن لوسمعت منك الذي بلغنى أوالذي نبئت عنك وثبت عليك ببينة لأفعلن بك كذا وكذا.
إذا تقرر ذلك، فاللائق بأهل البيت النبوي اتباع سلفهم في ذلك، والإعراض عما يوشيه إليهم الرافضة وغلاة الشيعة من قبيح الجهل والغباوة والعناد، فالحذر الحذر عما يلقونه إليهم من أن كل من اعتقد تفضيل أبى بكر علَى علِىّ رضي الله عنهما كان كافراً، لأن مرادهم بذلك أن يقرروا عندهم تكفير الأمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين وعلماء الشريعة وعوامهم، وأنه لا مؤمن غيرهم، وهذا مؤد إلى هدم قواعد الشريعة من أصلها، وإلغاء العمل بكتب السنة وما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته وأهل بيته؛ إذ الراوي لجميع آثارهم وأخبارهم وللأحاديث بأسرها بل والناقل للقرآن في كل عصر من عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإلى هلم، هم الصحابة والتابعون وعلماء الدين. إذ ليس لنحوالرافضة رواية ولا دراية يدرون بها فروع الشريعة، وإنما غاية أمرهم أن يقع في خلال بعض الأسانيد من هورافضي أونحوه. والكلام في قبولهم معروف عند أئمة الأثر ونقاد السنة، فإذا قدحوا فيهم قدحوا في القرآن والسنة وأبطلوا الشريعة رأسا، وصار الأمر كما في زمن الجاهلية الجهلاء، فلعنة الله وأليم عقابه وعظائم نقمته على من يفترى على الله وعلى نبيه بما يؤدى إلى إبطال ملته وهدم شريعته…إلخ ".
ويأتى الفصل الثانى من هذا الباب وعنوانه:" في ذكر فضائل أبى بكر الواردة فيه وحده وفيه آيات وأحاديث " (ص 98). ويذكر اثنتى عشرة آية كريمة (ص 98: 1.2)، ثم قال:" وأما الأحاديث: فهى كثيرة مشهورة " وأثبت عشرات الأحاديث الشريفة.
ويطول الأمر كثيرا إذا أردنا أن نثبت ما جاء في هذا الكتاب متصلا بموضوعنا، إذن لنقلناه كله أوجله، ولهذا أكتفى هنا بإثبات آخر باب جعله قبل خاتمة الكتاب، وعنوان الباب هو" في التخيير والخلافة " (372) وتحت العنوان جاء ما يأتي:
وكان خير الناس بعده وبعد المرسلين أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وقد تواترت بذلك الأحاديث المستفيضه الصحيحة التي لا تعتل، المرويةٍ في الأمهات والأصول المستقيمة، التي ليست بمعلولة ولا سقيمه. قال سبحانه: "وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ " فنعته بالفضل. ولا خلاف أن ذلك فيه رضوان الله عليه، وقال سبحانه: " ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ" فشهدت له الربوبيه بالصحبة وبشره بالسكينه وحلاه بثانى اثنين. كما قال على كرم الله وجهه: من يكون أفضل من اثنين الله ثالثهما. وقال سبحانه: " وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ "، لا خلاف وهوقول جعفر الصادق رضوان الله عليه، وقول على كرم الله وجهه، إن الذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى صدق به أبوبكر. وأي منقبه أبلغ من هذا، ولما أخبرنا سبحانه وتعالى: أنه لا يستوى السابقون ومن بعدهم بقوله سبحانه وتعالى: " لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى "والخبر في البخاري مسطور: أن عقبة بن أبى معيط وضع رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عنقه وخنقه به، فأقبل أبوبكر يعدوحول الكعبة ويقول: أتقتلون رجلا أن يقول ربى الله؟ قال: فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبى بكر فضربوه حتى لم يعرف أنفه من وجهه، فكان أول من جاهد وقاتل ونصر دين الله، وأنه الشخص الذي به قام الدين وظهر، وهوأول القوم إسلاما، وذلك ظاهر جلى. وقال جابر بن عبد الله الأنصارى: كنا ذات يوم على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر الفضائل فيما بيننا إذ أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أفيكم أبوبكر؟ قالوا: لا، قال:
لا يفضلن أحد منكم على أبى بكر، فإنه أفضلكم في الدنيا والآخرة.
وخبر أبى الدرداء المشهور قال: رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أمشى أمام أبى بكر، وقال: يا أبا الدرداء أتمشى أمام من هوخير منك؟ ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبى بكر. ومن وجه آخر: أتمشى بين يدى من هوخير منك؟ فقلت يا رسول الله: أبوبكر خير منى؟ قال: ومن أهل مكة جميعاً، قلت يا رسول الله: أبوبكر خير منى ومن أهل مكة جميعاً؟ قال: ومن أهل المدينة جميعاً، قلت: يا رسول الله: أبوبكر خير منى ومن أهل الحرمين؟ قال: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء بعد النبيين والمرسلين خيرا وأفضل من أبى بكر.
ونذكر في كثير منها تخيير عمر بعده ثم عثمان ثم على.
فمن ذلك خبر أبى عقال قد رواه مالك، وقد سأل عليا كرم الله وجهه وهوعلى المنبر: من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبوبكر ثم عمر ثم عثمان ثم أنا، وإلا فصمت أذنأي إن لم أكن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فعميت وأشار إلى عينيه إن لم أكن رأيته ـ يعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ما طلعت الشمس ولا غربت على رجلين أعدل ولا أفضل ـ وروى ولا أزكى ولا خيراً ـ من أبى بكر وعمر.
وقد روى محمد بن الحنفية قال: سألت والدى علياً وأنا في حجره، فقلت: يا أبت من خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبوبكر. قلت: ثم من؟ قال: عمر، ثم حملتنى حداثة سنى قلت: ثم أنت يا أبتى؟ قال: أبوك رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم.
وخبر أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبوبكر وعمر خير أهل السماء وخير أهل الأرض، وخير الأولين، وخير الآخرين إلا النبيين والمرسلين. وقال صلى الله عليه وسلم: على وفاطمة والحسن والحسين أهلي، وأبوبكر وعمر أهل الله وأهل الله خير من أهلي. وقال صلى الله عليه وسلم: لووزن إيمان أبى بكر بإيمان الأمة لرجح.
وخبر عمار بن ياسر رضي الله عنه المشهور قال: قلت يا رسول الله: أخبرني عن فضائل عمر. فقال: يا عمار لقد سألتنى عما سألت عنه جبريل عليه السلام، فقال لي يا محمد: لومكثت معك ما مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً أحدثك في فضائل عمر ما نفذت، وإن عمر لحسنة من حسنات أبى بكر، وقال: قال لي ربى عز وجل: لوكنت متخذا بعد أبيك إبراهيم خليلا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولوكنت متخذاً بعدك حبيبا لاتخذت عمر حبيباً. نقل ذلك من تفسير القرآن العظيم للبغوى رحمه الله تعالى في آخر سورة الحشر في قوله تعالى:
" وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ " يعنى التابعين، وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة، ثم ذكر أنهم يدعون لأنفسهم ولمن سبقهم بالإيمان بالمغفرة فقال: "يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا " -غشاً وحسداً وبغضاً ـ " لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " فكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنه ليس ممن عناه الله بهذه الآية؛ لأن الله رتب المؤمنين على ثلاث منازل: المهاجرين، والذين تبوءوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم، فاجتهد أن لا تكون خارجا من أقسام المؤمنين.
قال ابن أبى ليلى: الناس على ثلاثة منازل: الفقراء المهاجرون، والذين تبوءوا الدار والإيمان، والذين جاءوا من بعدهم، فاجتهد أن لا تكون خارجا من هذه المنازل.
أخبرنا أبوسعيد الشريحى، أنبأنا أبوإسحاق الثعلبى، أنبأنا عبد الله بن جليد، حدثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان، حدثنا ابن نمير، حدثنا أبى، عن إسماعيل ابن إبراهيم عن عبد الملك بن عمير، عن مسروق، عن عائشة قالت: أمرتم بالاستغفار لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسببتموهم، سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تذهب هذه الأمة حتى يلعن آخرها أولها ".
قال مالك بن معرور، قال عامر بن شراحيل الشعبي: يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة؛ سئلت اليهود من خير أهل ملتكم؟ فقالت: أصحاب موسى رضي الله عنه، وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ فقالت: حوارى عيسى رضي الله عنه، وسئلت الرافضة من شر أهل ملتكم؟ فقالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم!! أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة لا تقوم لهم حجة ولا يثبت لهم قدم ولا تجتمع لهم كلمة، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم وادحاض حججهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلة.
قال مالك بن أنس: من ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوكان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فىء، ثم تلا:
" مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ" حتى أتى هذه الآية:
" لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ " "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ " " وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ" إلى قوله " رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ".
نقل البغوى رحمه الله في قوله: " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: أنت صاحبى في الغار وصاحبى على الحوض.
قال الحسن بن الفضيل: من قال إن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهوكافر لإنكار نص القرآن، وفى سائر الصحابة إذا أنكر يكون مبتدعاً لا كافراً.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً أبداً.
*****
تعقيب
أطلت إلى حد ما في النقل من كتاب الصواعق المحرقة ليستبين منهج الرافضي صاحب المراجعات، وجرأته على الباطل وتزييف الحقائق، فصاحب الصواعق إنما أراد أن يحرق أمثاله، فإذا به يأخذ من الصواعق لإحقاق باطله وإبطال ما أجمعت عليه الأمة، وثبت بالنصوص القاطعة، وذلك بمنهج ليس له أدنى صلة بالمنهج العلمى.
ولذلك لسنا في حاجة بعد هذا للوقوف أمام نقوله الكثيرة من هذين الكتابين:
فنهج البلاغة بغير إسناد ولشاعر رافضى جلد هونفسه غير ثقة لوأسند. فكيف بانقطاع أربعة قرون؟!، كما أن في الكتاب ما يتعارض مع النصوص القطعية الثابتة عن على رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومالا يمكن أن يصدر إلا من الرافضة!
وأما الصواعق المحرقة فصاحب الكتاب أفاض وأسهب في بيان بطلان ما ذهب إليه الشيعه والرافضة، فهويبطل إذن ما أراده صاحب كتاب المراجعات بالقرآن المجيد، والسنة المطهرة الثابتة.
وأثبت في هذا التعقيب ما ذكره ابن حجر في الصواعق (ص 69)، وهوما أخرجه البيهقي عن الإمام الشافعى قال:
" ما من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة ".
أما أهل السنة فمنهجهم يوضحه الإمام أحمد بن حنبل بقوله:
" إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا ".
وإذا نظرنا في مسند الإمام أحمد نجد تساهله لا ينزل عن درجة الضعيف إلا في الأخبار القليلة المختلف فيها، حيث عدها ابن الجوزي في الأحاديث الموضوعة، ورد عليه الحافظ ابن حجر العسقلانى.
أما ابن حجر الهيتمى في صواعقه فقد أكثر من ذكر أسباب النزول والأحاديث والآثار، ومنها الصحيح والضعيف والموضوع ومالا أصل له، ومنها الصريح وغير الصريح في الدلاله. وقد بين أن الأحاديث الصحيحة التي يحتج بها الشيعة والرافضة ليست صريحة، ويعارضها الصريح من الصحيح، بل المتواتر أحيانا. أما الروايات الصريحة التي يحتجون بها فليس منها ما يصل إلى درجة الصحيح أوالحسن، ومعظمها روايات باطلة موضوعة مكذوبة، وقد نجد فيها ما يصل إلى درجة الضعيف، وكل هذا يعارضه ما سبق ذكره من المتواتر والصحيح.
ومنهج الشيعي الرافضي في مراجعاته أن يذكر من كتاب الصواعق ما يحتج به الروافض متجاهلا بطلانه، وتواتر وصحة ما يعارضه كما بين صاحب الصواعق هونفسه! ثم ينسب زورا للشيخ البشرى إقراره بل إعجابه بهذا الباطل!
أكرر هنا ما قاله الإمام الشافعى: " ما من أهل الأهواء أشهد بالزور من الرافضة ".
وجاء في حاشية ص 43 من الصواعق: ذكر الفخر الرازى أنه لم ينقل عن على ذكر النص في شئ من خطبه، ولا نعرفه إلا عن الكذابين، ولوكان موجودا لعلمناه ولاشتهر.

وليت عليكم ولست بخيركم (قول أبي بكر)

يحتج به الشيعة ويقولون: كيف يكذب أبوبكر قول الرسول عنه؟ على أن قول أبي بكر قد رواه البزار في مسنده من طريق بهلول بن عبيد الكندي الكوفي ثم قال "بهلول ليس بالقوي، ولهذا لم ندخله في مسند أبي بكر لهذه العلة" (مسند البزار1/ 18.) قال أبوزرعة الرازي "اضرب على حديثه" (2/ 687) وقال أبوحاتم الرازي " ضعيف الحديث" (علل الحديث 248.).
ورواه ابن سعد في طبقاته (3/ 183) عن عبيد الله بن موسى وهوكوفي متشيع. قال أحمد بن حنبل " كل بلية تأتي عن عبيد الله بن موسى" (سؤالاته3/ 15.).
ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل: قال البخاري " في حديثه مناكير" (التاريخ الكبير8/ 2989) وقال في (التاريخ الصغير1/ 311) "منكر الحديث". وقال العجلي "كان يغلوفي التشيع" (الثقات1587). وقال النسائي "متروك الحديث" (الضعفاء والمتروكون662) كذلك الدارقطني (الضعفاء والمتروكون574).
وقد عارضه الرافضة بحديث ضعيف وهو"ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين خير من أبي بكر". رواه أحمد في فضائل الصحابة (1/ 187 رقم135) فيه: عبد الله بن سفيان: قال العقيلي "لا يتابع على حديثه" (الضعفاء للعقيلي وميزان الاعتدال2/ 43.). وابن جريج وهوعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وهومدلس: وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين.
بقية الواسطي: وهومدلس أيضا.

أقيلوني فلست بخيركم، وعليٌّ فيكم
فإن كانت إمامته حقًّا كانت استقالته منها معصية، وإن كانت باطلة لزم الطعن".
والجواب: أن هذا كذب، ليس في شيء من كتب الحديث، ولا له إسناد معلوم. فإنه لم يقل:"وعليٌّ فيكم"بل الذي ثبت عنه في الصحيح أنه قال يوم السقيفة: بايعوا أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح. فقال له عمر: بل أنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: كنت والله لأن أُقدَّم فتُضرب عنقي، لا يقرّبني ذلك إلى إثم، أحب إليّ من تأمُّري على قوم فيهم أبا بكر.
ثم لوقال:"وعليٌّ فيكم"لاستخلفه مكان عمر؛ فإن أمره كان مطاعاً.
وأما قوله:"إن كانت إمامته حقًّا كانت استقالته منها معصية".
فيقال: إن ثبت أنه قال ذلك، فإن كونها حقًّا إما بمعنى كونها جائزة، والجائز يجوز تركه. وإما بمعنى كونها واجبة إذا لم يولّوا غيره ولم يقيلوه. وأما إذا أقالوه وولُّوا غيره لم تكن واجبة عليه.
والإنسان قد يعقد بيعاً أوإجارة، ويكون العقد حقًّا، ثم يطلب الإقالة، وهولتواضعه وثقل الحمل عليه قد يطلب الإقالة، وإن لم يكن هناك من هوأحق بها منه. وتواضع الإنسان لا يسقط حقه.

قول الصديق (أقيلوني) دليل على عدم استحقاقه للخلافة
قال الرافضي ابن مطهر الحلي: [وقال (أي الصديق): "أقيلوني فلست بخيركم، وعلي فيكم".
فإن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية، وإن كانت باطلة لزم الطعن].
الجواب:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [
والجواب: أن هذا كذب، ليس في شيء من كتب الحديث، ولا له إسناد معلوم
فإنه لم يقل: " وعلي فيكم "، بل الذي ثبت عنه في الصحيح أنه قال يوم السقيفة: بايعوا أحد هذين الرجلين: عمر بن الخطاب، وأبا عبيدة بن الجراح
فقال له عمر: بل أنت سيدنا، وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال " عمر: كنت والله لأن أقدم فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم، أحب إلي من تأمري على قوم فيهم أبوبكر"
ثم لوقال: " وعلي فيكم " لاستخلفه مكان عمر، فإن أمره كان مطاعا
وأما قوله: " إن كانت إمامته حقا كانت استقالته منها معصية "
فيقال: إن ثبت أنه قال ذلك، فإن كونها حقا إما بمعنى كونها جائزة، والجائز يجوز تركه
وإما بمعنى كونها واجبة إذا لم يولوا غيره، ولم يقيلوه. وأما إذا أقالوه وولوا غيره لم تكن واجبة عليه
والإنسان قد يعقد بيعا أوإجارة، ويكون العقد حقا، ثم يطلب الإقالة وهولتواضعه وثقل الحمل عليه قد يطلب الإقالة، وإن لم يكن هناك من هوأحق بها منه، وتواضع الإنسان لا يسقط حقه
] (منهاج السنة، 5/ 468،469)
وقال ابن تيمية أيضا: [
قال الرافضي: السادس: قول أبي بكر: " أقيلوني ; فلست بخيركم "، ولوكان إماما لم يجز له طلب الإقالة ".
والجواب: أن هذا:
أولا كان ينبغي أن يبين صحته، وإلا فما كل منقول صحيح. والقدح بغير الصحيح لا يصح.
وثانيا: إن صح هذا عن أبي بكر لم تجز معارضته بقول القائل: الإمام لا يجوز له طلب الإقالة
فإن هذه دعوى مجردة لا دليل عليها، فلِمَ لا يجوز له طلب الإقالة إن كان قال ذلك؟
بل إن كان قاله لم يكن معنا إجماع على نقيض ذلك ولا نص، فلا يجب الجزم بأنه باطل
وإن لم يكن قاله فلا يضر تحريم هذا القول
وأما تثبيت كون الصديق قاله، والقدح في ذلك بمجرد الدعوى، فهوكلام من لا يبالي ما يقول
وقد يقال: هذا يدل على الزهد في الولاية والورع فيها، وخوف الله أن لا يقوم بحقوقها
وهذا يناقض ما يقوله الرافضة: إنه كان طالبا للرياسة، راغبا في الولاية
] (منهاج السنة، 8/ 288)
وحاصل جواب شيخ الإسلام:
1. أن هذا الكلام المنسوب إلى الصديق لا يصح عنه ولا يثبت، وهذا في نفسه كاف لإسقاط الشبهة.
2. أن نسبة هذا الكلام إلى الصديق مع علمه بعدم صحته عنه، هوديدن من لا يبالي بما يقول، ونزيد بأنه منهج من يتخذ الكذب دينا.
3. أنه وإن صح فلا مطعن فيه، ودليل على زهد الصديق بالمنصب، فأين الدعاوى التي تتهمه بطلب الرياسة أمامه.


الالزامات :::::::

المعصوم يقول انه يذنب ذنوب كبيره وصغيره هل هذا حقيقه ام انه من باب التهكم ؟؟

الصحيفة السجادية صفحة153

اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا مِنْ كَبَائِرِ ذُنُوبِي وَصَغَائِرِهَا، وَبَوَاطِنِ سَيِّئَاتِي وَظَوَاهِرِهَا، وَسَوَالِفِ زَلاتِي وَحَوَادِثِهَا، تَوْبَةَ مَنْ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَةٍ، وَلا يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَةٍ".


هذي روايه من روايات كثيره راجع قسم الالزامات العصمة وستجد روايات كثيره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.